في الكرّدة , في ليلة أمطار ورياح
والظلمة سقف مدّ وستر ليس يزاح
انتصف الليل وملء الظلمة أمطار
وسكون رطب يصرخ فيه الإعصار
الشارع مهجور تعول فيه الريح
تتوجّع أعمدة وتنوح مصابيح
والحارس يعبر جهما مرتعد الخطوات
يكشفه البرق وتحجب هيكله الظلمات
ليل يجرفه السيل وينهشه البرد
تنتفض الظلمة فيه ويرتعش الرعد
***
في منعطف الشارع , في ركن مقرور
حرست ظلمته شرفة بيت مهجور
كان البرق يمرّ ويكشف جسم صبيه
رقدت يلسعها سوط الريح الشتويه
الإحدى عشرة ناطقة في خدّيها
في رقة هيكلها وبراءة عينيها
رقدت فوق رخام الأرصفة الثلجيّه
تعول حول كراها ريح تشرينيّه
ضمّت كفّيها في جزع في إعياء
وتوسّدت الأرض الرطبة دون غطاء
لا تغفو , لا تغفل عن إعوال الرّعد
والحمّى تلهب هيكلها ويد السّهد
ظمأى , ظمأى للنوم ولكن لا نوما
ماذا تنسى ؟ ألبرد ؟ الجوع ؟ أم الحمّى
ألم يبقى ينهش , لا يرحم مخلبه
السّهد يضاعفه والحمّى تلهبه
نار الحمّى تلهمها صورا وحشيّه
أشباح تركض , صيحات شيطانّيه
عبثا تخفي عينيها وسدى لا تنظر
الظلمة لا تدري , والحمّى لا تشعر
وتظلّ الطفلة راعشة حتى الفجر
حتى يخبو الإعصار ولا أحد يدري
***
أيّام طفولتها مرّت في الأحزان
تشريد , جوع , أعوام من حرمان
إحدى عشرة كانت حزنا لا ينطفىء
والطفلة جوع أزلي , تعب , ظمأ
ولمن تشكو ؟ لا أحد ينصت أو يعنى
البشرية لفظ لا يسكنه معنى
والناس قناع مصطنع اللون كذوب
خلف وداعته اختبأ الحقد المشبوب
والمجتمع البشري صريع رؤى وكؤوس
والرحمة تبقى لفظا يقرأ في القاموس
ونيام في الشارع يبقون بلا مأوى
لا حمّى تشفع عند الناس ولا شكوى
هذا الظلم المتوحّش باسم المدنيّه ,
باسم الإحساس , فواخجل الإنسانيه